أقسام السحر وأنواعه :
إن البحث والتقصي تحت هذا العنوان يفضي لطرح تساؤلات عدة ، ومن هذه التساؤلات :
هل يقوم السحر على وتيرة واحدة ، لإحداث آثاره المتعددة ؟!
وإذا كان للسحر أنواع ، فهل كل نوع منها يمثل كيانا مستقلا عن باقي الأنواع ؟! أم أن هناك ارتباطا بين هذه الأنواع ؟!
حقيقة إن أنواع السحر ترتبط وتتلاقى في عدة أمور ، لكن لوحظ أن من تكلم عن السحر وأنواعه قد ذكر أنواعا تصل إلى الثمانية ، وبعد القراءة المتكررة ، والتمحيص لهذه الأنواع ، وجد أن أنواع السحر التي تعتبر أنواعا حقيقية ترتبط بمفهوم السحر الاصطلاحي ، وبآثار السحر ونتائجه لا تتعدى الخمسة فقط ، وقد تقتصر إلى ثلاثة أنواع باعتبار أن بعض الأنواع تختص بعنصر التأثيرات أو المؤثرات ، وما عدا ذلك لا يعد من أنواع السحر ، ومثال تلك الأنواع التي تخرج عن المفهوم الاصطلاحي للسحر :-
أ )- السعي بالنميمة والوشاية بين الناس للإفساد من وجوه خفية لطيفة 0
قال الشرواني : ( قال يحيى بن أبي كثير : يفسد النمام والكذّاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة ) ( حواشي الشرواني – 9 / 181 ) 0
ويؤكد ذلك المفهوم ما ذكره الجصاص في كتابه "تفسير آيات الأحكام" حيث قال
وقد حكي أن امرأة أرادت إفساد ما بين زوجين ، فجاءت إلى الزوجة فقالت لها : إن زوجك معرض عنك ، وهو يريد أن يتزوج عليك ، وسأسحره لك حتى لا يرغب عنك ولا يريد سواك ، ولكن لا بد أن تأخذي من شعر حلقه بالموس ثلاث شعرات إذا نام وتعطينيها حتى يتم سحره ، فاغترت المرأة بقولها وصدقتها ، ثم ذهبت إلى الرجل وقالت له : إن امرأتك قد أحبت رجلا وقد عزمت على أن تذبحك بالموس عند النوم لتتخلص منك ، وقد أشفقت عليك ولزمني نصحك ، فتيقظ لها هذه الليلة ، وتظاهر بالنوم ، فلما جاءت زوجته بالموس لتحلق بعض شعرات حلقه ، فتح عينيه فرآها وبيدها الموس فقتلها ، فلما بلغ الخبر إلى أهلها جاءوا فقتلوه ) ( تفسير آيات الأحكام – 1 / 48 ) 0
ب)- الاحتيال في إطعام البعض ، بعض الأدوية المؤثرة في العقل 0
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - : ( السحر ينقسم إلى قسمين : الأول : عقد ورقى - ، أي قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى الإشراك بالشياطين فيما يريد لضرر المسحور ، قال الله تعالى : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) ( البقرة – الآية 102 ) 0
الثاني : أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور ، وعقله ، وإرادته ، وميله وهو ما يسمى عندهم بالعطف والصرف ، فيجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء ، والصرف بالعكس من ذلك ، فيؤثر في بدن المسحور بإضعافه شيئاً فشيئاً حتى يهلك ، وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه ) ( نقلاً مرجع المعالجين من القرآن الكريم والحديث الشريف - ص 327 - 328 ) 0
* أقسام السحر عند علماء الاجتماع :-
أ)- السحر الأبيض : وهو الذي يخدم أهدافا علمية واجتماعية ، مثل سحر الحب والتداوي ، والتنبؤ بالمستقبل 0
ب)- السحر الأسود : وهو الذي بقصد إلحاق الضرر بالآخرين 0
قلت : وهذا التقسيم للسحر بناء على فهم علماء الاجتماع بشقيه الأبيض والأسود لا يختلف في مضمونه ومحتواه عن الأنواع السابقة ، ولا يجوز مطلقا اقترافه أو فعله ، وفاعله يكفر وهو مخرج من الملة 0
--------------------------------------------------------------------------------
ثانيا : أنواع السحر كما ذكرها أبو عبدالله الرازي :-
* قال ابن كثير - رحمه الله - : ( قد ذكر أبو عبدالله الرازي أن أنواع السحر ثمانية :
1)- سحر الكذابين والكشدانيين الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة وهي السيارة ، وكانوا يعتقدون أنها مدبرة العالم وأنها تأتي بالخير والشر 0
2)- سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية 0
3)- سحر الاستعانة بالأرواح الأرضية وهم الجن 0
4)- سحر التخييلات والأخذ بالعيون والشعبذة 0
5)- الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب آلات مركبة على النسب الهندسية 0
6)- الاستعانة بخواص الأدوية يعني في الأطعمة والدهانات 0
7)- التعليق للقلب : وهو أن يدعي الساحر أنه عرف الاسم الأعظم وأن الجن يطيعونه وينقادون له في أكثر الأمور 0
- السعي بالنميمة والتقريب من وجوه خفيفة لطيفة وذلك شائع في الناس ) ( تفسير القرآن العظيم – باختصار – 1 / 138 ، 140 ) 0
* أقسام السحر : وقبل أن أتعرض لأنواع السحر بالتفصيل لا بد من إيضاح بعض المسائل والاستدراكات الهامة وهي على النحو التالي :
1)- لا بد من اليقين الجازم بأن تأثير السحر لا ينفذ إلا بإذن الله القدري الكوني ، وفي ذلك يقول الحق جل وعلا في محكم كتابه : ( 000 وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ 000 ) ( البقرة – الآية 102 ) 0
2)- ليس القصد مطلقا من عرض جزئيات هذا الموضوع ، خاصة البحث في الأعراض المتعلقة بكل نوع من أنواع السحر المقارنة والقياس ، بحيث يبدأ الشخص بمقارنة تلك الأعراض مع حالته ومعاناته ، ويقع في الوهم والوسوسة والضياع ، ولا بد للمريض من عرض حالته أولا على الطبيب المسلم ومن ثم رقية نفسه بالرقية الشرعية الثابتة ، وإن استدعى الأمر فلا بأس بالذهاب عند من يوثق في علمه ودينه للرقية والعلاج والاستشفاء ، بحيث يكون هذا الشخص متمرسا حاذقا ، لكي يستطيع بإذن الله تعالى أن يحدد الأسباب الرئيسة للمعاناة والمرض 0
3)- غالبا ما تكون الأعراض مشتركة ما بين السحر والأنواع الأخرى من الأمراض التي تصيب النفس البشرية كالصرع والعين والحسد ونحوه ، ومن هنا كان لا بد من التريث في عملية التشخيص من قبل المعالج ، بحيث يتم دراسة الحالة دراسة موضوعية دقيقية مستفيضة ليستطيع أن يحدد الداء ليصف الدواء النافع بإذن الله تعالى 0
4)- لا بد للمعالج من التأكد من سلامة الناحية الطبية المتعلقة بالمريض ، فبعض الأمراض العضوية أو النفسية لها أعراض مشابهة تماما للأمراض التي تصيب النفس البشرية كالصرع والسحر والحسد والعين ونحوه ، وكثيرا ما يستغل السحرة معرفة الأسباب الرئيسة لتلك الأمراض وتأثيرها ومن ثم إيجاد مثل تلك الأسباب بحيث يعتقد المرضى بأن المعاناة ناتجة عن أمراض عضوية أو نفسية ، وعلى سبيل المثال فقد يحدث الساحر تأثيرا يؤدي لقتل الحيوانات المنوية عند الرجل ويعتقد آنذاك أن الحالة المرضية تعاني من العقم وعدم الإنجاب ، وقس على ذلك كثير من الأمور التي يعمد إليها السحرة لإيهام الناس بتلك الأمراض ، واهتمام المعالج بسلامة الناحية الطبية لا يعني مطلقا عدم الاستشفاء بالرقية الشرعية من الأمراض العضوية أو النفسية ، بل المقصود عدم تخبط المعالج في عملية التشخيص وإيهام بعض المرضى بالمعاناة من الأمراض التي تصيب النفس البشرية كالصرع والسحر والعين ونحوه ، علما بأن المعاناة الأصلية ناتجة عن أمراض عضوية أو نفسية 0
5)- يجب دراسة الأعراض دراسة دقيقة للوقوف على أسبابها الرئيسة ، فقد تكون كافة تلك الأعراض ناتجة عن خلافات أو منازعات أو ظروف اجتماعية أدت لمثل تلك الأوضاع ، ومن هنا كان لا بد من التأني دون إطلاق الأحكام جزافا وإعادة مثل تلك الأمور التي قد تحصل للإصابة بالصرع والسحر والعين ونحوه 0
6)- إن للسحر أعراض اجتماعية وأخرى عضوية متعلقة بطبيعة الجسم البشري ، وسوف أقتصر البحث هنا على الأعراض الاجتماعية وبعض الأعراض العضوية البسيطة بسبب أن تلك الأعراض متشابهة تقريبا في كافة الأنواع مع اختلافات نوعية بسيطة ، وسوف يتم ذكرها بالتفصيل في هذه السلسلة عند الحديث عن " المنهج الشرعي في علاج السحر " 0
7)- كافة الأنواع التي سوف يعرج عليها تحت أنواع السحر التأثيري قد تكون ناتجة عن السحر بشقيه التخيلي أو سحر الأرواح الخبيثة ، ويعود الأمر في ذلك للأسلوب الذي يتبعه الساحر فيما يقوم به من أفعاله السحرية الخبيثة 0
- لا بد من الإشارة لنقطة هامة جدا تحت هذا العنوان ، وهي أن كافة المسميات المتعلقة بأنواع السحر التأثيري عبارة عن اجتهادات بناها المعالجون بناء على الأحوال والأوضاع التي عايشوها ودرسوها نتيجة الخبرة والممارسة ، وقد أشارت بعض النصوص القرآنية والحديثية لمثل تلك الآثار بشكل عام ، وبالتالي فإن كافة تلك المسميات لا تعتبر أمور مسلمة بها ، بل تخضع للتجربة والقياس 0